كيف غيّرت Lean وSix Sigma قواعد الأداء منذ الأربعينيات؟

كيف غيّرت Lean وSix Sigma قواعد الأداء منذ الأربعينيات؟

كيف غيّرت Lean وSix Sigma قواعد الأداء منذ الأربعينيات؟

تشكل Lean Six Sigma إحدى أبرز المنهجيات الإدارية التي تطورت عبر التاريخ لتجمع بين التحسين التشغيلي والتحكم الإحصائي بالجودة. نشأت هذه المنهجية من دمج فلسفتين مؤثرتين: Lean المستمدة من نظام إنتاج تويوتا في اليابان، والتي ركزت على التخلص من الهدر وتحقيق التدفق السلس، وSix Sigma التي وُلدت في شركة موتورولا الأمريكية، بهدف تقليل الأخطاء وتحقيق أعلى درجات الدقة والاتساق في العمليات.

لم يعد تطبيق هذه المنهجية حكرًا على القطاع الصناعي، بل أصبحت اليوم إطارًا معتمدًا لتحسين الأداء في مختلف القطاعات، من الخدمات الصحية إلى التقنية، ومن المؤسسات الحكومية إلى الشركات العالمية. إن فهم الخلفية التاريخية لـ Lean Six Sigma يُظهر كيف تحوّلت من نهج إنتاجي إلى نموذج شامل للتميز المؤسسي يعزز الكفاءة، يرفع الجودة، ويوفر قيمة حقيقية للمستفيدين.

 

ما هي Lean Six Sigma؟

تُعدّ Lean Six Sigma (LSS) منهجية إدارية متكاملة تجمع بين فلسفتين محوريتين لتحسين الأداء والكفاءة في عالم الأعمال والصناعة. تهدف هذه المنهجية إلى تحقيق التميز التشغيلي من خلال إزالة الأنشطة غير ذات القيمة المضافة (الهدر) من جهة، وزيادة دقة وكفاءة العمليات بتقليل الأخطاء والتباينات باستخدام أدوات إحصائية متقدمة من جهة أخرى. إنها إطار عمل قوي يعزز التحسين المستمر ويساعد المؤسسات على تقديم قيمة مضافة للعملاء بأقل التكاليف.

فلسفة Lean: التخلص من الهدر وتعزيز التدفق

يركز مصطلح “Lean” (الرشاقة) على تبسيط العمليات عن طريق القضاء على جميع مصادر الفاقد. تستوحي هذه الفلسفة من نظام إنتاج تويوتا (TPS)، الذي تم تطويره في الأربعينيات بهدف تحسين تدفق العمليات وتقليل الوقت والجهد والموارد غير المستغلة بكفاءة. الهدف الأساسي لـ Lean هو زيادة الإنتاجية وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة من خلال تحديد وإزالة الأنشطة التي لا تضيف قيمة للعميل. هذه الأنشطة قد تشمل:

  • الانتظار: أوقات التعطل في العمليات أو انتظار المواد الخام.
  • الإنتاج الزائد: إنتاج أكثر مما هو مطلوب أو قبل الأوان.
  • العيوب: المنتجات أو الخدمات التي لا تلبي معايير الجودة وتتطلب إعادة عمل.
  • الحركة غير الضرورية: حركة الأشخاص أو المعدات التي لا تضيف قيمة.
  • المخزون الزائد: الاحتفاظ بكميات كبيرة من المواد الخام أو المنتجات النهائية.
  • المعالجة الزائدة: القيام بخطوات غير ضرورية في العملية.
  • المواهب غير المستغلة: عدم الاستفادة الكاملة من مهارات وقدرات الموظفين.

تهدف Lean إلى تحقيق تدفق سلس وفعال للعمليات، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة سرعة الاستجابة لمتطلبات العملاء.

فلسفة Six Sigma: الدقة الإحصائية وتقليل التباين

أما “Six Sigma” فهي منهجية تعتمد على البيانات بشكل أساسي وتهدف إلى تقليل العيوب والاختلالات في العمليات إلى مستوى ضئيل للغاية. تم تطويرها بواسطة بيل سميث في شركة موتورولا عام 1986، ثم تبنتها شركات كبرى مثل جنرال إلكتريك. تستخدم Six Sigma أدوات إحصائية لتحليل أسباب المشكلات وحلها، وتسعى لتحقيق جودة عالية جدًا بحيث لا يتجاوز معدل العيوب 3.4 عيب لكل مليون فرصة، وهو ما يعادل خلو العملية من العيوب بنسبة 99.99966%.

يشير مصطلح “سيجما” (σ) إلى الانحراف المعياري في علم الإحصاء، وهو مقياس لمدى تشتت البيانات حول المتوسط. وبالتالي، فإن “ستة سيجما” تعني أن الأخطاء أو العيوب تكون ضمن ستة انحرافات معيارية عن المتوسط، مما يدل على استقرار العملية وانخفاض تباينها بشكل استثنائي. تعتمد Six Sigma على منهجية DMAIC (تحديد، قياس، تحليل، تحسين، تحكم) لتحقيق التحسينات:

  • تحديد (Define): تحديد المشكلة وأهداف المشروع ومتطلبات العميل.
  • قياس (Measure): جمع البيانات حول الأداء الحالي للعملية لتحديد حجم المشكلة.
  • تحليل (Analyze): تحليل البيانات لتحديد الأسباب الجذرية للعيوب أو المشكلات.
  • تحسين (Improve): تطوير وتنفيذ حلول للقضاء على الأسباب الجذرية للمشكلة.
  • تحكم (Control): وضع آليات لضمان استمرارية التحسينات ومنع تكرار المشكلة.

لماذا سُميت Lean Six Sigma بهذا الاسم؟

تجمع تسمية “Lean Six Sigma” بين المفهومين الأساسيين للمنهجيتين: “الرشاقة” (Lean) التي تشير إلى التركيز على التخلص من الهدر، و“ستة سيجما” (Six Sigma) التي ترمز إلى الدقة الإحصائية وتقليل التباين. تم دمج هاتين الفلسفتين في التسعينيات، حيث أدرك الخبراء أن الجمع بينهما يوفر نهجًا أكثر شمولية لتحسين العمليات.

باختصار، سميت هذه المنهجية بـ “ستة سيجما الرشيقة” لأنها:

  • تستفيد من الرشاقة (Lean): لتبسيط العمليات، وتقليل الفاقد، وزيادة سرعة تدفق العمل.
  • تستفيد من ستة سيجما (Six Sigma): لتقليل العيوب والأخطاء، وزيادة دقة العمليات، وتحقيق مستويات جودة شبه مثالية.

هذا الاندماج يخلق أداة قوية ومرنة لمعالجة كل من الهدر والعيوب، مما يؤدي إلى تحسين مستمر في العمليات وتحقيق أعلى جودة بأعلى كفاءة ممكنة.

تأثير Lean Six Sigma على الأداء المؤسسي

تُستخدم Lean Six Sigma على نطاق واسع في مختلف الصناعات، بما في ذلك التصنيع، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، وحتى القطاع الحكومي، لتحسين العمليات وزيادة الكفاءة. تتمثل أهمية هذه المنهجية في قدرتها على تحسين الأداء المؤسسي بشكل شامل، وذلك من خلال:

  • تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة

من خلال تحديد وإزالة الهدر والعيوب، تساهم Lean Six Sigma بشكل مباشر في خفض التكاليف التشغيلية. فكل عملية معيبة أو وقت انتظار غير ضروري يمثل تكلفة على المؤسسة. بتقليل هذه العناصر، تتحسن الكفاءة العامة، مما يسمح للمنظمات بإنتاج المزيد بنفس الموارد أو إنتاج نفس الكمية بموارد أقل.

  • تحسين جودة المنتج والخدمة

التركيز الإحصائي لـ Six Sigma يضمن أن مخرجات العمليات تكون متسقة وذات جودة عالية. هذا يؤدي إلى تقليل شكاوى العملاء وزيادة رضاهم، حيث يتلقون منتجات وخدمات تلبي توقعاتهم أو تتجاوزها.

  • تعزيز رضا العملاء

عندما تكون العمليات أكثر كفاءة والمنتجات ذات جودة أعلى، يرتفع مستوى رضا العملاء. بالعملاء يقدرون السرعة والدقة والجودة، وكلها نتائج مباشرة لتطبيق Lean Six Sigma.

  • تنمية ثقافة التحسين المستمر

تشجع Lean Six Sigma على ثقافة تستند إلى البيانات والتحليل النقدي للعمليات. هذا يمكن فرق العمل من اتخاذ قرارات مبنية على حقائق وإحصائيات بدلاً من الافتراضات، مما يؤدي إلى تحسينات مستدامة ومستمرة في جميع جوانب العمل.

 

أمثلة لتطبيقات Lean Six Sigma

تبنت العديد من الشركات العالمية الكبرى، مثل جنرال إلكتريك وتويوتا ومايكروسوفت، هذه المنهجية لتحقيق التميز التشغيلي وتعزيز قدراتها التنافسية. على سبيل المثال:

  • في التصنيع: تُستخدم لتحسين خطوط الإنتاج، تقليل وقت دورة التصنيع، وخفض نسبة المنتجات المعيبة.
  • في الرعاية الصحية: تُطبق لتقليل أوقات انتظار المرضى، تحسين دقة التشخيص، وتقليل الأخطاء الطبية.
  • في الخدمات المالية: تُستخدم لتبسيط عمليات الموافقة على القروض، تحسين خدمة العملاء، وتقليل الأخطاء في المعاملات.

 

رحلة التحسين: تاريخ وتطور Lean Six Sigma

  • ولادة Six Sigma في موتورولا

تطورت Six Sigma في شركة موتورولا في ثمانينيات القرن العشرين، كرد فعل على الحاجة الملحة لتحسين جودة المنتجات وتقليل العيوب في عمليات التصنيع. كان الهدف هو تحقيق مستوى من الدقة يقلل العيوب إلى حد أدنى، وهذا ما ألهم بيل سميث لوضع هذا المعيار الإحصائي. نجاح موتورولا في تطبيقها دفع شركات أخرى، مثل جنرال إلكتريك تحت قيادة جاك ويلش، إلى تبنيها بقوة في التسعينيات، مما أدى إلى انتشارها على نطاق واسع.

  • جذور Lean في تويوتا

أما Lean، في تاريخها أقدم بكثير. تعود جذورها إلى نظام إنتاج تويوتا (TPS) الذي طوره تايتشي أوهنو وشيجي شينغو في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. كان الهدف هو إزالة “المودا” (الهدر) وتحقيق تدفق سلس للإنتاج بأقل الموارد الممكنة. الفلسفة اليابانية لـ “كايزن” (التحسين المستمر) هي جزء لا يتجزأ من نهج Lean، وتؤكد على التحسينات الصغيرة والمتواصلة.

  • الدمج الذي غير قواعد اللعبة

في التسعينيات، أدرك الخبراء أن Lean وSix Sigma، على الرغم من فروقهما، يكملان بعضهما بشكل مثالي. فبينما Lean تزيل الهدر وتسرع العمليات، Six Sigma تضمن دقة وجودة هذه العمليات. هذا الدمج أدى إلى ظهور Lean Six Sigma كمنهجية شاملة تعالج كلاً من السرعة والكفاءة (Lean) والجودة والدقة (Six Sigma). وقد أثبتت هذه المنهجية المدمجة فعاليتها في مختلف الصناعات، من المصانع إلى المستشفيات والمؤسسات المالية، مما يجعلها أداة لا غنى عنها لتحقيق التميز التشغيلي.

 

في الختام

تمثل Lean Six Sigma أكثر من مجرد أدوات وتقنيات؛ إنها فلسفة عمل متكاملة توازن بين السرعة والكفاءة والدقة والجودة. من خلال الدمج الذكي بين تقليص الهدر والتحكم الإحصائي، تُمكّن هذه المنهجية المنظمات من الوصول إلى مستويات أداء استثنائية، معززةً ثقافة التحسين المستمر واتخاذ القرار المبني على البيانات.

وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها المنظمات اليوم، يصبح تبني Lean Six Sigma خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه، خاصة عند تطبيقه ضمن أطر استشارية متكاملة توائم بين السياق المحلي وأفضل الممارسات العالمية. ومن هذا المنطلق، تلتزم إمباور بدعم الجهات المختلفة في رحلتها نحو التميز التشغيلي والتحسين المستدام، من خلال تقديم حلول مبنية على Lean Six Sigma، ومكيّفة لتخدم الأهداف المؤسسية بفعالية واستباقية.

مشاركة المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *